فصل: المبحث الثالث: منظمات يهودية عبر التاريخ (إشارات وكلمات):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنظمات اليهودية ودورها في إيذاء عيسى عليه السلام (نسخة منقحة)



.بين الصهيونية والمسيحية:

إن المسألة اليهودية عبر التاريخ إنما هي وليدة الصراع بين اليهودية والمسيحية الغربية، ولم يكن للعرب والمسلمين شأن في هذا الصراع.
ولقد حاولت الصهيونية- منذ وقت بعيد- تذليل المسيحية لأهدافها، وذلك بالربط بين العهد القديم والعهد الجديد، واحتواء البروتستانتية، وإخضاعها لمفاهيمها، وقد حملت الصهيونية التلمودية على المسيحية، وحاولت التشكيك فيها بهدف احتوائها والسيطرة عليها من ناحية أخرى،
ولقد كان هدف الصهيونية التحرر من القوانين التي فرضتها المسيحية على المجتمع اليهودي داخل المجتمع المسيحي، وكانت الثورة الفرنسية والثورات الأوربية المختلفة عاملا على إحلال القومية والوطنية محل الدين، وبذلك انهارت هذه القيود، وتمكن اليهود في المجتمع الغربي كله من الانطلاق والعمل في مختلف المجالات، واستطاعوا السيطرة على الأحزاب السياسية وتوجيهها الوجهة التي تمكنهم من قيادة الأمم والدولة. وقد تمكنت الصهيونية من السيطرة على التعليم والصحافة والثقافة وأجهزة الإعلام الغربية على النحو الذي مكنهم من أن يفرضوا على العقل الغربي مفاهيمهم سواء بشأن السيطرة على فلسطين أو بشأن تدمير مقومات الإنسان الأخلاقية والدينية عن طريق الفلسفات والمذاهب الاجتماعية والاقتصادية التي طرحوها وأعلوها وأعطوها من بين المذاهب المختلفة دفعة القوة والتمكين.
[المرجع السابق، صـ223].

.الصهيونية والعالم الإسلامي:

كما كانت تهدف الحركة الصهيونية للسيطرة على العالم الإسلامي بوصفه مسلما أولا، وبوصفه ملتقى القارات، وبه الطاقة، والثروة، وكل ما تريده يهودية الربا في السيطرة عليه، وإن الظروف السياسية التي وجدت، والتي صنعت صنعا قد واتت على تحقيق الهدف في ظل ضعف العرب والمسلمين، وسقوطهم تحت سلطان الاستعمار الغربي أكثر من قرنين من الزمان. وليست الصهيونية إلا الصيغة الحديثة والعصرية للمطامع اليهودية في إقامة الدولة العالمية مستخدمة كل الوسائل والأساليب سواء منها الدينية والأسطورية أو العلمية والعصرية لتحقيق هدف التوسع والسيطرة والإدالة من الإسلام وأهله، ولقد يبدو واضحا في الحديث عن إطلاق اسم (خيبر) على معركة 1967م، وغيرها من الأحداث والمحادثات ما يدل على هذا المعنى الذي يرتكز في غزو ثقافي، لإحلال مفاهيم يهودية تلمودية محل المفاهيم القرآنية الإسلامية.
[المرجع السابق، صـ 109، بتصرف].

.المبحث الثالث: منظمات يهودية عبر التاريخ (إشارات وكلمات):

لقد مارس اليهود أساليبهم التنظيمية، بشكلها المعروف حاليا، مع بداية وجودهم وأيام موسى عليه السلام، وهم آنذاك كانوا طليعة إيمانية لدعوة موسى عليه السلام.
- فها هم اليهود في مصر- تحت حكم فرعون واضطهاده لهم- وقبل خروجهم منها، إذ علموا أمر الخروج من مصر، قامت نساء قوم موسى بأمر عجب، حيث استعرن من المصريات حليهن قبيل الخروج من مصر- بدعوى أنهن في حاجة إليها مدة ثلاثة أيام في البرية، بغرض القيام ببعض الطقوس الدينية.
[انظر سفر الخروج، 3/21، 22، 12/35، 36 والنص: حين تمضون إنكم لا تمضون فارغين بل تطلب كل امرأة من جارتها ومن نزيلة بيتها أمتعة فضة، وأمتعة ذهب، وثيابا وتضعونها على بنيكم وبناتكم فتسلبون المصريين]، ومن هذه الحلي صنع رجالهم (العجل الذهبي) بإشارة من السامري، ووقع الإجماع عليه منهم. وصدق الله العظيم إذ يقول: {قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري، فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسى} [سورة طه: 87- 88].
وفعلهم الأول كذب ونصب واحتيال جماعي، وفعلهم الثاني: أكبر الشرك وأقبحه.
- و (مردخاي) دس ابنة أخته (أستير) في قصر (أحشويرش) بعد أن دربها على الإغراء والإغواء، فولدت له (كورش) الذي دفعته والدته إلى (بابل) ليثأر لأخواله منها، ويعيدهم إلى أرض كنعان، ليباشروا إعادة الهيكل، في حماية حراب الفرس، فهذا تآمر وعمالة إذن.
- و (هيردوية) قدمت (لهيرودوس) كأس الشراب بيد، وابنتها (سالومي) باليد الأخرى، ليقدم لها رأس (يوحنا المعمدان) (يحيى عليه السلام)- قبل أن يقضى ليلة حمراء- على طبق من الذهب.
[أنجيل متى، 140/1- 14. بتصرف].
إنها أساليب القوة الخفية اليهودية.
- و (نيرون) أغوته زوجته اليهودية (بوبايا) بحرق روما، بتحريض من المؤرخ اليهودي المشهور (يوسيفوس)، حيث قدم (يوسيفوس) إلى روما من القدس، مبعوثا من القوة الخفية للتوسط في إخراج بعض زعماء اليهود الذين زج بهم (نيرون) في السجن، وكذلك بتحريض نيرون على القضاء على مهمة القديس (بولس)، الذي انتشرت دعوته في روما بشكل واسع، فلما لم يستجب نيرون لمطالب (يوسيفوس) اتفق مع (بوبايا) على حرق روما، وإخراج اليهود المسجونين من سجنهم وسط الدخان واللهب، واتهام نيرون بالجنون، تمهيدا للتخلص منه فقالوا: روما تحترق ونيرون على قيثارة يغني!!
لقد كان نيرون (فنانا) فعلا، إلا أنه أبى أن يغير معالم المدينة خشية نقمة الشعب، فتطوع اليهود وعملاؤهم لإحراقها، بينما كان (نيرون) في رحلة صيد خارجها، وعندما علم بذلك بادر مسرعا للعمل على إطفاء الحريق، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه. إلا أنه وصل متأخرا، بعد أن أكلت النار كل شيء، فبادر ببناء مخيمات لإيواء أصحاب المنازل المحروقة، ثم بنى لهم من ماله الخاص مساكن لإيوائهم، ولقد أشاع اليهود- بتحريض من يوسيفوس وبوبايا- بأن نيرون إنما أحرق مدينته الجميلة استجابة لجنون العظمة، وجريا وراء شعر (هوميروس) في حرق طروادة، ولأنه أراد- بسبب عشقه للفن والجمال- أن يعيد بناءها كما صورها له خياله المريض وحين شاعت التهمة بين الناس وذاعت، لدرجة أن صدقها الناس، أراد نيرون أن يبعد التهمة عن نفسه، فاتهم المسيحيين ظلما بأنهم هم الذين أحرقوها، فانتقم منهم، وبذلك نجحت سفارة (يوسيفون)، فقد هرّب السجناء اليهود، ونكل بأتباع بولس.
- لقد أغرت (بوبايا) (نيرون) أيضا بقتل أستاذه (سنيكا)، لا لسبب إلا أنه أشار عليه بإصدار قانون يحرم الربا لتخليص الشعب المسكين من جشع (شايلوك) اليهودي.
- وهل مصادفة أن نصت قوانين الإمبراطور (جوستنيان) بشدة على تحريم الربا، والرشوة، والزنا- وتعاطي المسكرات، والتجسس، واستخدام النساء في أغراض غير شريفة، أم أن اليهود هم الذين كانوا يحترفون مثل هذه الحرف القذرة، فاضطر ذلك (جوستنيان) إلى أن يشرع بخصوصها ما وضع من تشريعات؟!!
- والمسيح من حرض على قتله، وأمر بصلبه؟ وأظهروه بمظهر الخارج على القانون، المحرض على الثورة ضد حكم الرومان، حين سألوه: ماذا يفعلون بالضرائب الباهظة التي يطالبهم بها بيلاطس البنطي.....؟
- ومن صلب (بولس) في روما، وأخاه (أندراوس) في كابي، وحاول قبر المسيحية في مهدها، وألقى بمعتنقيها في أشداق الوثنية نيفا وثلاثة قرون.
[القوى الخفية لليهودية العالمية الماسونية، صـ 62- 64، بتصرف].
- إنهم دمروا الإمبراطورية الرومانية انتقاما لتدمير معقلهم في فلسطين، كما دمروا- بعد ذلك الإمبراطورية الروسية انتقاما لتدمير دولة الخزر.
[المخططات التلمودية اليهودية الصهيونية، صـ 38. بتصرف].
- لقد نزح اليهود إلى يثرب بعد نزوحهم من اليمن، بعد حادث سيل العرم، وجاوروا الأوس والخزرج، وكانوا ضعفاء بجوارهم، إلى أن قويت شوكتهم باتحادهم تحت رئيسهم (مالك بن العجلان)، لكنهم كانوا في حماية العرب، يدفعون عنهم، ويمنعون الأعراب من التعدي عليهم، وقد لجئوا إلى عقد التحالفات معهم، فكان لكل زعيم يهودي حليف من الأعراب ومن رؤساء العرب، [تاريخ العرب قبل الإسلام، د/ جواد علي، ج1، صـ 23، بتصرف، ط/ المجمع العالمي العراقي].
فكانت علاقة اليهود بالأوس والخزرج خاضعة للمنفعة الشخصية والمكاسب المادية، ولذا سرعان ما عملوا على إثارة الحرب بين الفريقين بعد أن فرقوا كلمتهم، وأوجدوا خلافا افتعلوه هم بينهم، ثم أعطوهم السلاح مع كافة التسهيلات أولا، ثم بالربا الفاحش بعد ذلك.
- حتى أججوا نار الحرب بين الأوس والخزرج نحو مائة وعشرين سنة إلى أن جاء الإسلام وآخى بينهما النبي عليه الصلاة والسلام، ولكن اليهود أضمروا سوءا للدعوة الإسلامية من البداية، إلا قليلا ممن أسلموا. وتلك إشارات عن دور المنظمات اليهودية مع الإسلام والمسلمين.

.دور المنظمات اليهودية مع الإسلام:

- إن تاريخ اليهود مع المسلمين لهو تاريخ ملئ بالتعصب من أوله إلى آخره، فنحن المسلمين قد نالنا من اليهود أذى كثير، فاليهود هم الذين حاربوا الدعوة الإسلامية منذ مهدها، وإلى يومنا هذا بكل سلاح، وبكافة الوسائل ابتداء بما صنعوه مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم من غدر ونقض للعهود في أحرج الظروف وأحلك المعارك، كما صنع (بنو قريظة) يوم الأحزاب، ولا يزال غدر اليهود مستمرا، يصدق ما حكاه القران عن أخلاق اليهود التي دمغت بالغدر، وطبعت على نقض العهود تحت أفانين من الخداع، والمبررات الكاذبة وتزييف المعاني والمفاهيم، وفلسفات الاستحلال التي يجيدونها وتجرى منهم مجرى الدم، فالعهد عند اليهود ضرورة مرحلية يعقده لأجلها، ثم ينقضه بانتهاء ظروفها ومنفعتها، وإذ يقبل اليهودي أن يعاهد مسلما، يبقى بين العهد والنقض كالثعلب الجبان، يتلفت ويرقب الفرصة أو يوجدها لينقض تحت أمان العقد وغفلة الخصم.
وانتهاء حيث اغتصبوا- بمعاونة دول الكفر- بقعة من أرصنا المقدسة، وهى فلسطين بما فيها (المسجد الأقصى) و أقاموا عليها دولة لهم في عام 1948م وما بين البداية والنهاية، استمرت عداوة اليهود في أشد صورها، وكيد هم في غايته ما تكاد تنطفئ نار حروبهم إلا وأوقدوها، و أشعلوا نارها من جديد.
[بنو إسرائيل في القرآن والسنة، د/ محمد طنطاوي، صـ 11، 12، 78، بتصرف، ط/ الزهراء للإعلام العربي، الأولى، سنة 1417هـ 1987م].
ونظم اليهود أنفسهم، نشطوا لمحاربة الدعوة الإسلامية، وسلكوا كل طريق لإطفاء نورها وإخماد سلطانها، وليس من قبيل المبالغة أن نؤكد أن اليهود لم يتركوا وسيلة من شأنها تعطيل سير الدعوة الإسلامية إلا ولجوها، أو بادرة يستطيعون معها الطعن في الإسلام ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم إلا استغلوها، ومن ذلك:
1ـ مسلك المجادلات الدينية والمخاصمات الكلامية، كجدالهم للنبي صلى الله عليه وسلم في شأن نبوته بقصد الطعن فيها، وجد الهم مع النبي صلى الله عليه وسلم في شأن إبراهيم وملته، وجدالهم في نبوة عيسى عليه السلام، وجدالهم في قضية النسخ، وجدالهم في تحويل القبلة من بيت المقدس إلى المسجد الحرام- إلخ.
2ـ تعنتهم في الأسئلة بقصد إحراج الرسول عليه الصلاة والسلام.
3- محاولتهم الدس والوقيعة وإثارة الفتنة بين المؤمنين، فيما بين الأوس والخزرج أو فيما بين المهاجرين والأنصار.
4- محاولتهم رد المسلمين عن دينهم بطريق الخداع والتلبيس.
5- تلاعبهم بأحكام الله تعالى ومحاولتهم فتنة الرسول صلى الله عليه وسلم عند تقاضيهم إليه.
6- تحالفهم مع المنافقين ضد المسلمين.
7- تحالفهم مع المشركين، وشهادتهم لهم بأنهم أهدى من الذين آمنوا سبيلا.
8- إيذاؤهم لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالقول القبيح والخطاب السيئ.
9- استهزاؤهم بالدين وشعائره.
10- محاولتهم قتل الرسول صلى الله عليه وسلم.
[راجع بتوسع: بنو إسرائيل في القرآن والسنة، صـ 135- 240].
ولقد استخدم اليهود في ذلك صورا متعددة منها الهمس المشكك، والتشكيك المبطن، والتآمر الخفي، فالنفاق الملتوي، فالحرب السافرة.
[القوى الخفية، صـ 66، بتصرف].
لقد ظل اليهود يعملون على بث الفتن، وانتشار العداوات، وإلقاء التهم، ووضع العراقيل، وإثارة الحروب، لقد ظلت اليد الخفية لليهود- المتمثلة في جمعياتهم السرية القديمة- تعمل بكيد ومكر- بعد وفاة النبي- صلى الله عليه وسلم- فكانت لهم يد في ردة المرتدين، ومانعي الزكاة الناكثين، ومدعى النبوة الكاذبين، وظلت دسائسهم تحاك بليل، وتنفذ بكيد في خفية من النهار، وذلك في خلافة أبى بكر الصديق رضى الله عنه، وكذلك في خلافة (عمر بن الخطاب) رضى الله عنه، الذي كادت أن تختفي فيه تلك الفتن، وذلك بسبب إجلائهم، في خلافته (رضى الله عنه) عن الجزيرة العربية، ولكنهم بعد إجلائهم أرادوا أن يثأروا لأنفسهم، فلم يتم لهم ذلك عن قرب، فخططوا له من بعيد، ودبرت المؤامرة لقتل فاروق الأمة (عمر من الخطاب) رضى الله عنه، بالاتفاق مع المنافقين، وبمعاونة (أبى لؤلؤة المجوسي) الذي توعد أمير المؤمنين (عمر بن الخطاب) و عزاه (كعب الأحبار) في نفسه قبل موته بثلاث، فلما سأله عمر في ذلك، قال كعب، نجده مع صفتك في التوراة، ونفذت المؤامرة في صلاة الفجر، بطعن أمير المؤمنين (عمر بن الخطاب) ليكون شهيدا في المحراب.
[تعصب اليهود، صـ 249- 250 بتصرف].
ولم تنته فتن اليهود، ولم ينقطع عداؤهم للإسلام ولا للمسلمين، ولن ينتهي طالما وجد على ظهر الأرض يهودي حيا، ولا يؤمن لليهودي شر ما بقيت له قدرة على فعله، ولا نعرف لهذه النقمة الدفينة علة إلا انحراف أصحابها عن الجادة، وذلك أنهم لما عجزوا عن ضرب الإسلام في الميادين المكشوفة، وخاب أملهم في تحقيق أي نصر، نفثوا سموم حقدهم في مؤامرات مقيتة تحت ستار الإسلام نفسه، وذلك عن طريق النفاق، وتأسيس الجمعيات السرية اليهودية، حيث تظاهر بعضهم بالإسلام، وهو في نفس الوقت يضمر الكيد له، ومن ذلك ما عرف عن (ابن سبأ)- عليه لعنة الله- الذي ادعى الإسلام في السنة السابعة من خلافة (عثمان بن عفان رضى الله عنه)، لقد أسلم وهو حاقد على الإسلام والمسلمين، ويدعى (عبد الله بن سبأ) المشهور بـ: (ابن السوداء) لقد استطاع ذلك الخبيث أن ينفخ في رماد الفتنة حتى أشعلها نارا متأججة، وضرب على الوتر الحساس لدى حدثاء الإسلام وضعفاء الإيمان، وبدأ يفتل غزله ويمد حبله شرق البلاد وغربها حتى استطاع أن يجمع أنصارا كثيرين لفكرته الخبيثة المبنية على القول برجعة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الحياة الدنيا بعد موته، مستندا على القول برجعة (عيسى) عليه السلام، وكان يقول: العجب ممن يزعم أن عيسى يرجع ويكذب بأن محمدا يرجع.
ويستدل على ذلك بتأويل خاطئ لقوله تعالى {إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد} [سورة القصص: 85].
يقول عند ذلك: فمحمد أحق بالرجوع من عيسى، فيقبل منه هذا الكلام السذج والبلهاء، وهو كلام لا يتمشى مع القرآن، وكذلك قال بالوصية بالخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه خاصة، ولآل البيت عامة من بعده، مستغلا عاطفة الناس تجاه آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم كما أثار الناس على (عثمان رضي الله عنه)، وأخذ ينتحل له الاتهامات ويختلق له المظالم، ويكيل له في الأخطاء، وأخذ الخبيث يطعن علنا في خلافته، واتهمه بالظلم، ونادى بالخروج عليه وعلى ولاته في الأقاليم، مظهرا ناحية أخرى حساسة لذي المسلمين هي: الأمر بالمعروف والنهي عن لمنكر، فذلك أمر من صميم الإسلام وبه كان المسلمون خير أمة أخرجت للناس، وبذلك حرك الفتنة بتأليب الناس على (عثمان) رضي الله عنه، وكاتب الأمصار، واتخذ أشياعا له فيها، وحرض البلدان، وأغضب الناس على أميرهم، وسمع له كل مفتون موتور، وصانع بعض أهل المدينة، وكتب الكتب زورا باسم (علي) إلى مصر، وباسم (طلحة) إلى البصرة وباسم (الزبير) إلى الكوفة، لتحريض الناس على الخليفة وعماله، وكان لهذه الكتب فعل السحر في نفوس الناس خصوصا في مصر، ولم يفتأ- ذلك الملعون- عن إضمار الكيد للإسلام وأهله، ولم يقنع هو ومن وراءه بمقتل (عثمان) وإثارة الفتن، لأنهم يريدون ما هو أكبر من ذلك من قضاء على الإسلام وإجهاز عليه، حتى تخلو لهم الساحة وحدهم.
فبعد مقتل (عثمان) عمل اليهود على فرقة بين المسلمين، وصلت إلى حد الاصطدام المسلح العنيف، في موقعتي (صفين والجمل) هذا فضلا عن الطوائف المختلفة التي نشأت عن تلك الفرقة، ففرقت وحدة المسلمين، وجعلت شملهم بددا، ولم يكتف (ابن سبأ) بذلك حتى أظهر دعوة جديدة- بعد قوله بأحقية على بالخلافة وكذلك بالوصاية له من قبل النبي صلى الله عليه وسلم، والزعم بأن عليا خاتم الأوصياء، كما أن محمدا خاتم الأنبياء، وبعد القول بالرجعة، فراح يزعم ألوهية (علي ابن أبي طالب) رضي الله عنه، وقال له: أنت أنت، أو (أنت الله) و (أنت إله حقا) فنفاه على إلى المدائن ولما قتل علي رضي الله عنه قال عنه: إنه لم يمت، ولم يقتل (ابن ملجم) إلا شيطانا في صورة علي، وعلي في السحاب، والرعد صوته، والبرق تبسمه، وأنه سينزل بعد هذا إلى الأرض ويملؤها عدلا.
وقال: كما كذبت اليهود والنصارى في دعواها قتل عيسى، كذلك كذبت النواصب والخوارج في دعواها قتل علي، وإنما رأت اليهود والنصارى شخصا مصلوبا شبهوه بعيسى، وكذلك القائلون بقتل علي، رأوا قتيلا يشبه عليا، فظنوا أنه علي، وعلي قد صعد إلى السماء وسينزل إلى الدنيا وينتقم من أعدائه.
وقال المحققون: إن (ابن السوداء) كان على هوى دين اليهود، وأراد أن يفسد على المسلمين دينهم بتأويلاته في علي وأولاده، لكي يعتقدوا فيه ما اعتقدت النصارى في عيسى عليه السلام، وانتسب إلى الرافضة حين وجدهم أعرق أهل الأهواء في الكفر، ودس ضلالته في تأويلاته، هذا إن لم يكن هو رأس الرافضة، وأساس فكرها، ومخترع مذهبها.
وقرن المستشرق (فلهوزن) بين السبئية الرافضة باعتبار السبئية الاسم الأقدم للرافضة، وقال: إن السبئية تستمد فكرتها من اليهودية لأن الأخيرة هي التي تقول بأن لموسى خليفة هو (يوشع) وأن لكل نبي خليفة يعيش إلى جانبه أثناء حياته، ويخلفه بعد مماته، وقد قال السبئية بأن عليا هو خليفة محمد، غير أن اليهود يطلقون اسم النبي أيضا على الخليفة، بينما يطلق عليه السبئية اسم الوصي أو المهدي أو الإمام.
وقال المستشرق (جولد تسيهر): إن فكرة الرجعة التي روج لها (ابن سبأ) يهودية مسيحية، فعند اليهود والنصارى أن النبي (إيليا) قد رفع إلى السماء، وأنه لا بد أن يعود إلى الأرض في آخر الزمان لإقامة دعائم الحق، والعدل، ومن ثم كان (إيليا) هو النموذج الأول للإمام (علي) المختفي الذي قال به (ابن سبأ) والذي سيعود يوما ليهدي الناس وينقذ العالم.!!
[راجع بتوسع، جنايات بني إسرائيل على الدين والمجتمع، صـ 319، 327، العواصم من القواصم في تحقيق مواقف الصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم للقاضي أبي بكر بن العربي المالكي صـ 76- 144، تحقيق /محب الخطيب، ط/ دار الكتب السلفية.
- البداية والنهاية لابن كثير، ج7، صـ 187- 207، صـ 246- 267، القوى الخفية، 64- 71، اليهودية، د/ أحمد شلبي، صـ 325.
- المخططات التلمودية، صـ194- 195، مكايد يهودية عبر التاريخ، د/ عبد الرحمن حسن حبنكة، صـ 150- 157، ط دار القلم / دمشق (الخامسة) 1405هـ/ 1985م.
- موسوعة فلاسفة ومتصوفة اليهودية، د/ عبد المنعم الحفني، صـ 121- 124، ط/ مكتبة مدبولي، بدون ذكر الطبع والتاريخ].
بمثل هذه الأساليب أخذت القوى الخفية تعمل عملها في ضرب الإسلام والمسلمين فأسسوا مدرسة- بل مدارس- يدسون على النبي صلى الله عليه وسلم الأحاديث المكذوبة، التي عرفت بالموضوعة، كما أخذوا يؤولون القرآن، ويزعمون أن له ظاهرا وباطنا، وقالوا بالإسرائيليات ونشروها، كما قالوا بالتناسخ، والاتحاد والحلول، ووحدة الوجود، وزعموا خلق القرآن، ووضعوا أسس الحركات الباطنية في الإسلام، وجرى اتصال الخبر بأن (الاعتزال) كان له صلة باليهود، ولقد انتشر اليهود المتمسلمون (المنافقون) في المساجد ينفثون سمومهم، وذلك بطرح أسئلة تشكيكية ظاهرها برئ وباطنها سم رعاف، نشأت على إثرها فرق كالقدرية والجبرية وغيرهما من فرق الضلال.
[القوى الخفية، صـ 69- 71، بتصرف، والمخططات التلمودية، صـ 120، بتصرف].
حتى إن تخليص الكتب الإسلامية من الإسرائيليات وهذه الانحرافات الفكرية لأمر تنوء به كواهل عشرات الجماعات من أولى العزم.
لقد حرص اليهود في مخططاتهم ومنظماتهم- خاصة في جانب الغزو الثقافي- أن تحل المفاهيم اليهودية التلمودية محل المفاهيم القرآنية الإسلامية.
[المخططات التلمودية، صـ 109- 120، بتصرف].
ولقد استمر عداء اليهود للإسلام والمسلمين على مدى الأيام والأزمنة، ما ينتهي أو يقل، بل يزيد ضراوة ويشتد حنقا، وصدق الله العظيم القائل: {لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا} [سورة المائدة: 82] يعادون الإسلام تارة في العلانية وتارات في الخفاء، مرة موجهة وأخريات من وراء ستار، حينا بالقوة والسلاح، وأحيانا يبث الفساد، وإشاعة الفاحشة وغزو المسلمين بما يدمر الأخلاق، وما يفسد الدين ويضيع الأمة فكريا، وسياسيا، واقتصاديا، وعسكريا... إلخ.
وإن الوقائع والأحداث أكبر من أن تعد، وأكثر من أن تحصى.
[جنايات بني إسرائيل، صـ 319، بتصرف].
إن عداء اليهود قديم يتجدد مع الأيام، ويستمر مع الزمان، حتى عصرنا الحديث وما ينتهي حتى قرب قيام الساعة، «ولن تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهودي فيختبئ اليهود خلف الشجر والحجر فينطق الشجر والحجر، فيقول: يا مسلم يا عبد الله: تعالى ورائي يهودي فاقتله إلا شجر الغرقد فإنه من شجر اليهود».
[أخرجه البخاري، كتاب الجهاد، باب قتال اليهود، وأخرجه مسلم، كتاب الفتن].